إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء
الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج

01 فبراير 2024

وقعت حادثة الإسراء والمعراج قبل الهجرة النبوية بسنة، وتُعد من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام الكبرى، فقد أُسري به على ظهر الدابة البراق وبرفقة جبريل عليه السلام من مكة إلى بيت المقدس، ثم عُرِجَ به إلى ما فوق السماء السابعة ليُلاقي ربه عز شأنه، ثم رجع إلى مكة، وكان ذلك كله في ليلة واحدة. وحادثة الإسراء والمعراج ثابتة في كتاب الله في قوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {۱}" (الإسراء: 1)، وقوله تعالى: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {١٣} عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {١٤} عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {١٥} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {١٦} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {١٧} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {١٨}" (النجم: 13-18). وثابتة أيضاً في السنة النبوية المطهرة. تضمنت رحلة الإسراء والمعراج أحداثاً كثيرة، ابتدأت بشق جبريل صدر النبي وغسل بطنه بماء زمزم وملئه حكمةً وإيماناً، ثم ركوبه عليه الصلاة والسلام دابة البراق التي حملته من مكة إلى بيت المقدس ثم إلى السماوات، حيث قابل عدداً من الأنبياء والرسل، ورأى البيت المعمور وسدرة المنتهى والجنة ونعيمها ورأى نهر الكوثر الذي خصه الله تعالى له، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ، فإذا طِينُهُ - أوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أذْفَرُ شَكَّ هُدْبَةُ." (رواه البخاري)، ثم تجاوز عليه الصلاة والسلام سدرة المنتهى إلى ما فوق السماء السابعة، حيث قابل رب العزة والجلال الذي فرض الصلاة عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خفّفها عز وجل فجعلها خمس صلوات بالعمل وخمسين في الأجر رحمةً بأمة محمد وفضلاً منه سبحانه. والصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضت بدون وحي في السماء السابعة دون واسطةٍ بين الله عز وجل ونبيه عليه الصلاة والسلام، وذلك لبيان أهميتها، وفضلها، وعظمة مكانتها عند الله تعالى. وورد ذكر هذه الأحداث في حديث مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بيْنَا أنَا عِنْدَ البَيْتِ بيْنَ النَّائِمِ، واليَقْظَانِ - وذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلًا بيْنَ الرَّجُلَيْنِ -، فَأُتِيتُ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وإيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إلى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وإيمَانًا، وأُتِيتُ بدَابَّةٍ أبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مع جِبْرِيلَ حتَّى أتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قيلَ: مَن هذا؟ قالَ جِبْرِيلُ: قيلَ: مَن معكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به، ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ مِنَ ابْنٍ ونَبِيٍّ، فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قيلَ مَن هذا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن معكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: أُرْسِلَ إلَيْهِ، قالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به، ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى عِيسَى، ويَحْيَى فَقالَا: مَرْحَبًا بكَ مِن أخٍ ونَبِيٍّ، فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قيلَ: مَن هذا؟ قيلَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن معكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به، ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى يُوسُفَ، فَسَلَّمْتُ عليه قالَ: مَرْحَبًا بكَ مِن أخٍ ونَبِيٍّ، فأتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قيلَ: مَن هذا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن معكَ؟ قيلَ مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قيلَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى إدْرِيسَ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ مِن أخٍ ونَبِيٍّ، فأتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قيلَ: مَن هذا؟ قالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْنَا علَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ مِن أخٍ ونَبِيٍّ، فأتَيْنَا علَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قيلَ: مَن هذا؟ قيلَ جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن معكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَرْحَبًا به ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ مِن أخٍ ونَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فقِيلَ: ما أبْكَاكَ: قالَ: يا رَبِّ هذا الغُلَامُ الذي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِهِ أفْضَلُ ممَّا يَدْخُلُ مِن أُمَّتِي، فأتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قيلَ مَن هذا؟ قيلَ: جِبْرِيلُ، قيلَ مَن معكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ، مَرْحَبًا به ولَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فأتَيْتُ علَى إبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ مِنَ ابْنٍ ونَبِيٍّ، فَرُفِعَ لي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: هذا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فيه كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ ما عليهم، ورُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ ووَرَقُهَا، كَأنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ في أصْلِهَا أرْبَعَةُ أنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، ونَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقالَ: أمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ، وأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ والفُرَاتُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، فأقْبَلْتُ حتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقالَ: ما صَنَعْتَ؟ قُلتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، قالَ: أنَا أعْلَمُ بالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ، وإنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ، فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ، فَسَلْهُ، فَرَجَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فأتَيْتُ مُوسَى، فَقالَ: مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فأتَيْتُ مُوسَى فَقالَ: ما صَنَعْتَ؟ قُلتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقالَ مِثْلَهُ، قُلتُ: سَلَّمْتُ بخَيْرٍ، فَنُودِيَ إنِّي قدْ أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وخَفَّفْتُ عن عِبَادِي، وأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا." (متفق عليه). بعد ذلك نزل النبي عليه الصلاة والسلام من السماء إلى بيت مقدس، حيث وجد الأنبياء والرسل فأمّهم في الصلاة ثم رجع إلى مكة.

وشهد النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج عاقبة الغيبة وقذف الناس والطعن بأعراضهم، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمَّا عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لَهُم أظفارٌ من نُحاسٍ يخمِشونَ وجوهَهُم وصدورَهُم فقلتُ: يا جبريلُ من هؤلاءِ؟ قالَ: هؤلاءِ الَّذينَ يأكُلونَ لحومَ النَّاسِ ويقعونَ في أعراضِهِم." (رواه الألباني). كما شهد عليه الصلاة والسلام عذاب الخطباء والوعاظ الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فهم يقرؤون كتاب الله ويعرفون أوامره ونواهيه ولا يعملون به بل يعملون بخلافه، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مررْتُ ليلةَ أُسرِيَ بي بأقوامٍ تُقرضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ من نار، قُلْتُ: من هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: خُطَباءُ أمتِكَ الذينَ يقولونَ ما لا يفعلونَ ويقرؤونَ كتابَ اللهِ ولا يعملونَ بِه." (رواه الألباني).

ورحلة الإسراء والمعراج كانت في حالة اليقظة بجسد النبي وروحه عليه الصلاة والسلام، قال الطبري: "ولا معنى لقول من قال: أُسْرِيَ بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل".

وقال ابن حجر: "إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسده وروحه، وإلى هذا ذهب جمهور من علماء الحديث والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل".

وقد ظهر لنا في العصور المتأخرة زمرة من المستشرقين وأعداء الدين الذين يشككون بصحة وقوع حادثة الإسراء والمعراج لأنها بزعمهم تخالف العلم والمنطق، لكن الواقع أن علمهم محدود بحدود زمانهم وإمكاناتهم، فبتكنولوجيا العصر الحديث يمكن لأحدث الطائرات فائقة السرعة أن تقطع المسافة بين مكة وبيت المقدس ذهاباً وإياباً بأقل من ساعة واحدة، فإذا وصلت مقدرة البشر وعلمهم إلى هذا الحد الكبير، فكيف بقدرة الله تعالى الذي وسع كل شيء علماً، ومن جهل هؤلاء المشككين أنهم يسقطون منطقهم على المعجزات، لكن لو كانت المعجزات منطقية بفهم البشر القاصر لما كانت معجزات أصلاً، فالمعجزة هي أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد رسله وأنبيائه تأييداً لهم وإثباتاً لنبوتهم، فالله المستعان على ما يصفون.

كتبه: مصعب العوضي

إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء